24/محرم/1444
ألقى رئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش، الذي حضر إلى كوسوفو لإجراء اتصالات رسمية، خطبة في مسجد سنان باشا التاريخي في بريزرن، ثم أمّ الناس في صلاة الجمعة
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ عَلَيْكُمْ إِخْوَانِي اَلْأَعِزَّاءِ!
أُحَيِّيكُمْ مِنْ عَلَى مِنْبَرِ مَسْجِدِ سِنَانْ بَاشَا فِي بِرِيزْرِنْ فِي كُوسُوفُو.
إِخْوَانِي اَلْأَعِزَّاء!
إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَلْقَ اَلْبَشَرَ عَلَى اَلْأَرْضِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَائه لِيَكُونُوا هُدَاةً وَمُرْشِدِينَ لِلْمُجْتَمَعَاتِ. وَإِنْ أَوَّلَ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ هُوَ أَوَّلُ اَلْأَنْبِيَاءِ سَيِّدُنَا آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ. وَقَدْ أُرْسِلَ اَلْإِسْلَامُ دِينًا لِجَمِيعِ اَلْأَنْبِيَاءِ. فَالْإِسْلَامُ هُوَ اِسْمُ اَلدِّينِ اَلَّذِي جَاءَ بِهِ جَمِيعُ اَلْأَنْبِيَاءِ مِنْ سَيِّدِنَا آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ وَحَتَّى خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدْ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى هَذَا اَلدِّينِ اِسْمًا يَدُلُّ فِي مَعْنَاهُ عَلَى اَلسَّلَامِ وَذَلِكَ حَتَّى يَعِيشَ اَلنَّاسُ بِسَلَامٍ عَلَى اَلْأَرْضِ، وَذَاكَ هُوَ اَلْإِسْلَامُ: دِينُ اَلِاعْتِدَالِ. وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى دِينِ اَلِاعْتِدَالِ هَذَا اِسْم اَلْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يَظْلِمُ اَلنَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يَضْطَهِدُ أَحَدُهُمْ اَلْآخَرُ. وَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهُ تَعَالَى أَنْ اَلْإِسْلَامَ هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَرْسَلَهَا لِلْبَشَرِيَّةِ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ. وَقَدْ كَانَتْ آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ آيَة مِنْ سُورَةِ اَلْمَائِدَةِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَنْ أَعْظَمِ نِعْمَةٍ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ ’أَنِّي مُسْلِم‘. لِأَنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا يُعَرِّفُنَا بِالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ نِعْمَةً. فَالْإِسْلَامُ عَدَلٌ وَالْإِسْلَامُ مَعْرُوفٌ وَالْإِسْلَامُ سَلَامٌ وَالْإِسْلَامُ مُشَارَكَةٌ وَالْإِسْلَامُ إِنْفَاقٌ وَالْإِسْلَامُ أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى اَلْبِرِ. حَيْثُ يَأْمُرُنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَقُول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ".
إِخْوَانِي اَلْأَعِزَّاء!
فَلْنُقَدِّر هَذِهِ اَلنِّعْمَةَ حَقَّ قَدْرِهَا. وَإِنْ مِنْ أَعْظَمِ اَلنِّعَمِ اَلَّتِي أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهَا عَلَى اَلْبَشَرِ هِيَ نِعْمَةُ اَلشَّبَابِ. فَالشَّبَابُ هُوَ أَكْثَرُ مَرَاحِلِ الْحَيَاةِ عَطَاءًا، وَهِيَ الْفَتْرَةُ بَيْنَ الطُّفُولَةِ وَالشَّيْخُوخَةِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الْإِنْسَانُ قَوِيًّا. وَإِنَّ الشَّابَ لَدَيْهِ أَحْلَامٌ لَا تَنْتَهِي وَيَمْتَلِكَ طَاقَةً لَا تَنْفَدُ. فَجَسَدُهُ وَرُوحُهُ وَشَخْصِيَّتُهُ وَأَفْكَارُهُ تَتَغَيَّرُ بِاسْتِمْرَارٍ. فَهُوَ يَتَسَاءَلُ وَيَستَفْسِرُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ. وَحَتَّى عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا. لِأَنَّهُ بِحَاجَةٍ لِاسْتِيعَابِ الْحَيَاةِ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَنَّهُ يَنْتَقِدُ وَيُعَارِضُ وَيُقَاوِمُ دَائِمًا وَيَفْشَلُ فِي تَقْيِيدِ نَفْسِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ خَاتَمَ الأنْبِياءِ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ خَيْرُ دَلِيلٍ وَمُرْشِدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِفَهْمِ اَلشَّبَابِ وَإِعْدَادِهِمْ لِلْمُسْتَقْبَلِ. فَقَدْ كَانَ لِلشَّبَابِ دَائِمًا مَكَانَة خَاصَّة فِي حَيَاتِهِ. حَيْثُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّصَ وَقْتًا خَاصًّا لِلشَّبَابِ وَكَانَ دَائِمًا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِمْ وَيُعْجَبُ بِأَفْكَارِهِمْ. وَقَدْ كَانَ عَلَى تَوَاصُل صَادِق مَعَهُمْ وَكَانَ يَثِقُ بِهِمْ. كَمَا أَنَّهُ وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ لِلْمَدِينَةِ اَلْمُنَوَّرَةِ قَامَ بِإِرْسَالِ مُصْعَبْ بْنْ عُمَيْرْ إِلَى هُنَاكَ كَمُدَرِّس ومُعلُم وَدَاعِيَة وَهُوَ لَا يَزَالُ فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِ. وَأَثْنَاءَ هِجْرَتِهِ سَلَّمَ اَلْأَمَانَاتِ اَلَّتِي كَانَتْ مَعَهُ إِلَى اَلصَّحَابِيِّ اَلشَّابِّ سَيِّدنَا عَلِي بن أبي طالب مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعِيدَهَا لِأَصْحَابِهَا. وَهُنَاكَ اَلْعَدِيدُ مِنْ اَلصَّحَابَةِ اَلشَّبَابِ اَلْآخَرِينَ اَلَّذِينَ أُوكلَ إِلَيْهِمْ مُهِمَّاتٍ مُهِمَّةٍ حَيْثُ عَيَّنَ مُعَاذ بْنْ جَبَل قَاضِيًا فِي اَلْيَمَنِ، وَاخْتَارَ أُسَامَة بْنْ زَيْد قَائِدَا لِلْجَيْشِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ اَلْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ اَلشَّبَابَ خِلَالَ عَمَلِيَّةِ بِنَائهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِكِيَانِهِمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ كِبَارُهُمْ مَعَهُمْ إِلَى جَانِبِهِمْ وَلَيْسَ ضِدَّهُمْ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْعِدُهُمْ وَيُفْرِحُهُمْ أَنْ تَكُونَ قُوَّةُ اَلْكِبَارِ وَإِمْكَانِيَّاتهمْ مُرْشِدًا لَهُمْ فِي تَوْجِيهِهِمْ نَحْوَ اَلْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ. كَمَا يَرْغَبُونَ فِي أَنْ يَكُونَ لِرَأْيِهِمْ قِيمَة وَأَنْ يَتِمَّ اَلْوُثُوقُ بِهُمْ. وَيَنْتَظِرُونَ أَنَّ تُمْسَكَ أَيْدِيهمْ إِذَا وَقعُوا فِي مأزق لَا يَسْتَطِيعُونَ اَلْخُرُوجَ مِنْهُ، وَأَنْ تُتَاحَ لَهُمْ اَلْفُرْصَةُ لِتَصْحِيحِ اَلْأَخْطَاءِ اَلَّتِي اِرْتَكَبُوهَا.
فَلْنَتَمَسَّكْ بِشِدَّة بِقِيَمِنَا اَلَّتِي أنْشَأتْ حَضَارَتِنَا وَاَلَّتِي جَعَلَتْ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، مِنْ أَجْلِ تَرْبِيَةِ شَبَابِنَا اَلَّذِينَ سَنَأْتَمِنهُمْ عَلَى مُسْتَقْبَلِنَا وَاَلَّذِينَ سَيَقُودُونَ مُجْتَمَعَنَا إِلَى اَلْخَيْرِ وَالْجَمَالِ.
وَلْنَبْحَثْ عَنْ طُرُقٍ لِلتَّوَاصُلِ مَعَ بَعْضِنَا اَلْبَعْضِ بِطَرِيقَةٍ سَلِيمَةٍ فِي هَذِهِ اَلْمَنَاطِقِ اَلْجُغْرَافِيَّةِ اَلْجَمِيلَةِ حَيْثُ نَتَشَارَك نَفْس اَلْأَرْضِ وَنَفْسِ اَلْمَاءِ وَنَفْسِ اَلْخُبْزِ. وَلْنَقِفَ بِوَجْهِ اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ إِثَارَةُ اَلْفِتْنَةِ وَزَرْعِهَا بَيْنَنَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَجْعَلُونَا نَتَصَارَعُ مَعَ بَعْضِنَا اَلْبَعْضِ. وَلْنَتَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّنَا يُمْكِنُنَا اَلتَّغَلُّبُ عَلَى اَلْمَشَاكِلِ وَالْمَصَاعِبِ بِرُوحِ اَلْوحْدَةِ وَالتَّضَامُنِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ اَلْأَعِزَّاءُ!
دَعُونَا نَكُوْنُ قُدْوَةً لأَبْنَائِنَا وَلْنَدعمهُمْ فِي طَرِيقِ عِبَادَةِ اَللَّهِ تَعَالَى. وَدَعوْنَا لَا نُعْطِي فُرْصَةً لِمَنْ يُرِيد أَنْ يَجُرَّ بِهِمْ إِلَى اَلذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا أَوْ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمْ لِغَايَاتٍ سَيِّئَةٍ. وَلْنَتَعَشَّمَ دَائِمًا خَيْرًا بِأَبْنَائِنَا. ولَنْجَعَلْهُمْ يَشْعُرُونَ أَنَّنَا نَثِقُ بِهُمْ وَنُقَدِّرُهُمْ. فَشَبَابُنَا سَيُوَاصِلُونَ اَلْوُقُوفَ مُنْتَصِبِينَ فِي وَجْهِ اَلْبَاطِلِ -طَالَمَا وَثِقْنَا بِهِمْ- مِثْل سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ. وَسَيَكُونُونَ قُدْوَةً لِلْإِنْسَانِيَّةِ بِعِفَّتِهِمْ مِثْل سَيِّدِنَا يُوسُفْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ. وَسَيَسْتَمِرُّونَ فِي اَلشُّكْرِ وَالصَّبْرِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّوَكُّلِ مِثْل سَيِّدَتِنَا مَرْيَمْ. وَأَخِيرًا وَبِبُلُوغِهِمْ اَلسَّعَادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بِعِبَادَةِ اَللَّهِ تَعَالَى سَيَكُونُونَ مِنْ اَلسَّبْعَةِ اَلَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اَللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.
يَا أَخِي اَلشَّابُّ!
فَلْنَتَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّنا نَحْنُ أَيْضًا مُؤْتَمَنُونَ عَلَى اَلشَّبَابِ. وَلْنَنْتَبِه أَيْنَ وَكَيْفَ قَضَيْنَا شَبَابَنَا. وَلْنَقُمْ بِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِنَا مِنْ أَجْلِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ اَلَّذِي لَا يَنْفَعُ فِيهِ اَلنَّدَمُ. وَلْنَعِشْ أَجْمَلَ مَرَاحِلِ حَيَاتِنَا وِفْقًا لِإِرَادَةِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا.
وَأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِثَنَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَصْحَابِ اَلْكَهْفِ اَلْمُخْلِصِينَ لَهُ بِإِيمَانٍ لَا يَتَزَعْزَعُ: "نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِٱلْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُدًى".
نَسْأَلُ اَللَّهُ تَعَالَى أَنْ يرزقنا جَمِيعًا أَنْ نَكُونَ شَبَابًا مِثْل أَصْحَابِ اَلْكَهْفِ، وَنَكُونَ مِثْلَ اَلشَّبَابِ اَلَّذِينَ وَقَفُوا إِلَى جَانِبِ نَبِيِّنَا اَلْحَبِيبِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَلَّذِينَ أَيَّدُوا اَلْحَقُّ وَأَقَامُوهُ وَوَقَفُوا بِوَجْهٍ اَلْبَاطِلِ وَحَارَبُوهُ.