إننا الآن نشعر ببهجة العيد بعد انقضاء شهر رمضان الذي تقربنا فيه إلى الخالق بعباداتنا وواجهنا فيه أنفسنا باعتكافنا وكنا فيه أملاً للإنسانية بأعمالنا الصالحة. فالحمد لله الذي جعلنا ممن يحيي شهر رمضان ويعيش من بعده بهجة العيد.
إن طريقة العيش في العصر الحديث التي تسلط الضوء على الفهم الأناني، تستنفد العالم الداخلي للإنسان قدر الإمكان وتغطي القيم الأساسية الراسخة يوما بعد يوم. وغالبا ما يتم التضحية بقيم مثل صلة الرحم والتضامن والمساعدة والمشاركة بسبب اضطرابات الحياة اليومية. وكنتيجة حتمية لهذا فإنه يُحكم على الإنسان بالوحدة بالدخول في دوامة الفردية؛ ويتم إبعاده تدريجياً عن القيم الاجتماعية التي تجعل وجوده ذا معنى. وبكل تأكيد يجب على كل إنسان يشكل جوهر المجتمع أن يدرك أولاً أنه فرد. ولكن عندما يتم تجاهل الفرق بين الفرد والفردية، فسيكون من الحتمي أن يتضرر السلام الاجتماعي والأمن والوحدة والتضامن.
إن ديننا السامي الإسلام دينٌ يؤجل الفردية ويعطي الأولوية للحياة الاجتماعية مع المبادئ والقيم التي يجلبها. والسمة المميزة لأتباع هذا الدين هي أنهم يتبنون أولا وكدستور لحياتهم فكرة إدراك الوجود كأفراد، ثم معرفة الذات والعيش في سلام مع البيئة. حتى أن ديننا السامي يهتم، بل ويأمرنا أن نكون معا والعمل معا وأن نكون مدركين لبعضنا البعض من عالمنا الفكري إلى عبادتنا. فهو يطهرنا من المشاعر السلبية مثل الأنانية والغطرسة والجشع والطمع التي تؤدي إلى الفردية ويوجهنا إلى الفضائل الاجتماعية مثل الإيثار والتواضع والصدق والقناعة. حيث إن لكل صلاة وصيام وزكاة وصدقة فطر وعبادة وظيفة تحمينا من الوحدة العاطفية والفكرية من خلال بناء وعي قوي بالوجود وشعور بالوِحدة فينا.
إن أعيادنا التي هي أيام فرح وبهجة، حيث يتم فيها إحياء الإيمان المشترك والتاريخ والحضارة في الذاكرة الاجتماعية، هي أوقات للسلام والسرور حيث تلتقي فيها القلوب التي انفصلت لأسباب مختلفة مرة أخرى. وهي أيام للسكينة والطمأنينة حيث يصل الإحساس بالأخوة والحب لبعضنا البعض إلى ذروته في البعد الاجتماعي. وعندما ندرك أننا بحاجة إلى بعضنا البعض فإن هذه الأيام وسيلة لتلاقي القلوب بالخطوات المتخذة على محور الحب والقيمة والمشاركة. وعيد الفطر الذي وصلنا إليه بعد شهرٍ عشناه ونحن ندرك قيمة الوقت، ما هو إلا عطاء من الله تعالى للمؤمنين بعد أيام عاشوها على أكمل وجه بالبعد المعنوي.
لهذا السبب يجب علينا ألا ننظر إلى أعيادنا على أنها أيام عطل عادية، بل علينا أن ننظر إليها على أنها فرصة لتوطيد وحدتنا وبناء جسور المحبة بين القلوب. كما يجب علينا زيارة أبائنا وأمهاتنا وكبار السن من عائلتنا وأصدقائنا وأقاربنا باللطف والأدب الذي اكتسبته قلوبنا بفضل شهر رمضان. كما يجب علينا تذكر ماضينا بكل خير. ويجب أن نجعل العيد وسيلة للقضاء على الخصومات ولإصلاح ذات البين. ويجب أن نترك ذكريات جميلة في أذهان أطفالنا وقلوبهم من خلال التبسم في وجوههم. ويجب علينا أن نسعى جاهدين لزرع البهجة في قلوب الكبار الذين عزلتهم الحياة العصرية وفي قلوب الغرباء الذين لا يجدون مكانًا لأنفسهم في الحياة اليومية وفي قلوب الأيتام المنكسرة قلوبهم والدامعة عيونهم. كما يجب أن نقدم بهجة العيد لمن اضطروا لترك وطنهم ولمن يكافح من أجل البقاء من الفقراء والمحتاجين ولمن تعرض للظلم والقسوة والاضطهاد.
وبهذه المشاعر والأفكار أهنئ أمتنا الحبيبة والعالم الإسلامي أجمع بمناسبة حلول عيد الفطر. وأحمد الله تعالى أن منحنا بهجة العيد بكل حرية تحت راية هذا البلد الجميل، كما أحيي بكل امتنان ورحمة ذكرى شهدائنا الذين جعلوا من هذه الأرض وطننا لنا.
رئيس الشؤون الدينية
الأستاذ الدكتور علي أرباش